**بسم الله الرحمن الرحيم**أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري -
الصفحة أو الرقم: 6419
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
الشرح
قال العلماء : معناه : لم يترك له عذراً إذ أمهله هذه المدة . يقال :
أعذر الرجل : إذا بلغ الغاية في العذر . قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ
فيما نقله عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : (أعذر الله تعالى إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة
). والمعنى أن الله ـ عز وجل ـ إذا عمر الإنسان حتى بلغ ستين سنة
فقد أقام عليه الحجة ، ونفى عنه العذر ؛ لأن ستين سنة يبقى الله
الإنسان إليها ؛يعرف من آيات الله ما يعرف ، ولاسيما إذا كان ناشئاً في
بلد إسلامي ، لا شك أن هذا يؤدي إلى قطع حجته إذا لاقى الله ـ عز
وجل ـ لأنه لا عذر له ،. وفي الحديث إشارة إلى أن استكمال الستين
مظنة لانقضاء الأجل فالذي ينبغي للإنسان كلما طال به العمر ؛ أن يكثر
من الأعمال الصالحة ، كما أنه ينبغي للشباب أيضاً أن يكثر من الأعمال
الصالحة ؛ لأن الإنسان لا يدري متى يموت ، قد يموت في شبابه ، وقد
يؤخر موته ، لكن لا شك أن من تقدم به السن فهو إلى الموت أقرب من
الشاب ؛ لأنه أنهى العمر
فلو أنه مثلاً قصر في عمره إلى خمس عشرة سنة ، أو عشرين سنة ،
لكان قد يكون له عذر في أنه لم يتمهل ولم يتدبر الآيات ، ولكنه إذا
أبقاه إلى ستين سنة ، فإنه لا عذر له ، قد قامت عليه الحجة ، مع أن
الحجة تقوم على الإنسان من حين أن يبلغ ، فإنه يدخل في التكليف ولا
يعذر بالجهل ، فإن الواجب على المرء أن يتعلم من شريعة الله ما يحتاج
إليه ، مثلاً : إذا أراد أن يتوضأ لابد أن يعرف كيف يتوضأ ، إذا أراد
أن يصلي لابد أن يعرف كيف يصلي ، إذا صار عنده مال لابد أن يعرف
ما مقدار النصاب ، وما مقدار الواجب ، وما أشبه ذلك ، إذا أراد أن
يصوم ، لابد أن يعرف كيف يصوم ، وما هي المفطرات ، وإذا أراد أن
يحج أو يعتمر يجب أن يعرف كيف يحج ، وكيف يعتمر ، وما هي
محظورات الإحرام ، إذا كان من الباعة الذين يبيعون ويشترون بالذهب
مثلاً ، لابد أن يعرف الربا ، وأقسام الربا، وما الواجب في بيع الذهب
بالذهب ، أو بيع الذهب بالفضة ، وهكذا إذا كان ممن يبيع الطعام ، لابد
أن يعرف كيف يبيع الطعام ، ولابد أن يعرف ما هو الغش الذي يمكن أن
يكون ، وهكذا .
والمهم أن الإنسان إذا بلغ لستين سنة فقد قامت عليه الحجة التامة ،
وليس له عذر ، وكل إنسان بحسبه ، كل إنسان يجب عليه أن يتعلم من
الشريعة ما يحتاج ، إليه ، في الصلاة والزكاة والصيام والحج والبيوع
والأوقاف وغيرها ، حسب ما يحتاج إليه .
وفي هذا الحديث دليل على أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ له الحجة على
عباده وذلك أن الله أعطاهم عقولاً ، وأعطاهم أفهاماً ، وأرسل إليهم
رسلاً ، وجعل من الرسالات ما هو خالد إلي يوم القيامة ، وهي رسالة
النبي صلى الله عليه وسلم فإن الرسالات السابقة محدودة ، حيث إن
نبي يبعث إلى قومه خاصة ، ومحدودة في الزمن ؛ حيث أن كل رسول
يأتي بنسخ ما قبله ، إذا كانت الأمة التي أرسل إليها الرسولان واحدة .
أما هذه الأمة فقد أرسل الله إليها محمداً صلى الله عليه وسلم ، وجعله
خاتم الأنبياء ، وجعل آيته العظيمة الباقية هذا القرآن العظيم ، فإن آيات
الأنبياء تموت بموتهم ، ولا تبقى بعد موتهم إلا ذكرى ، أما محمد صلى
الله عليه وسلم فإن آيته هذا القرآن العظيم ، باقية إلى يوم القيامة ، كما
قال تعالى : ( وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ
اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى
عَلَيْهِمْ ) (العنكبوت:50 ،51) ، فالكتاب كاف عن كل آية لمن تدبره
، وتعقله ، وعرف معانيه ، وانتفع بأخباره ، واتعظ بقصصه ، فإنه
يغني عن كل شيء من الآيات .
لكن الذي يجعلنا نحس بهذا الآيات العظيمة ، أننا لا نقرأ القرآن على
وجه نتدبره ، ونتعظ بما فيه . كثير من المسلمين ـ إن لم يكن أكثر
المسلمين ـ يتلون الكتاب للتبرك والأجر فقط ، ولكن الذي يجب أن يكون
هو أن نقرأ القرآن لنتدبره ونتعظ بما فيه ، ( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ
) ، هذا الأجر ( لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ) هذه هي الثمرة ،(وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو
الْأَلْبَابِ) (صّ:29) . والله الموفق .
نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة والعاقبة ، وأن يجعل خير أعمارنا
أواخرها ، خير أعمالنا خواتيمها